فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَسَيَجْزِى الله الشاكرين}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال عمر: فلكأنِّي لم أقرأها إلا يومئذ.
ورجع عن مقالته التي قالها فيما ذكر الوَائِلي أبو نصر عبيد الله في كتابه الإبانة: عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوى على مِنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد قبل أبي بكر فقال: أمّا بعد فإني قلت لكم أمس مقالة وأَنها لم تكن كما قلتُ، وإِني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهِده إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يَدْبُرَنا يريد أن يقول حتى يكون آخرنا موتا فاختار الله عز وجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا لما هدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الوَائلي أبو نصر: المقالة التي قالها ثم رجع عنها هي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم وكان قال ذلك لعظيم ما ورد عليه، وخشِي الفتنة وظهور المنافقين، فلما شاهد قوّة يقينِ الصدّيقِ الأكبرِ أبي بكر، وتفوّهه بقول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} [آل عمران: 85] وقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30] وما قاله ذلك اليوم تَنَبّهَ وتثبّتَ وقال: كأني لم أسمع بالآية إلا من أبي بكر.
وخرج الناس يتلونها في سِكك المدينة، كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم.
ومات صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين بلا اختلاف، في وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتدّ الضحاء، ودفن يوم الثلاثاء، وقيل ليلة الأربعاء.
وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ** وكنت بِنا بَرًّا ولم تك جافِيًا

وكنت رحيمًا هاديًا ومُعلِّما ** ليَبْكِ عليك اليومَ من كان باكِيا

لعمرك ما أبكِي النبيَّ لِفقده ** ولكن لما أخشى من الهَرْجِ آتيا

كأنّ على قلبي لِذِكرِ محمدٍ ** وما خِفت من بعد النبي المكاوِيا

أفاطم صلى الله رب محمدٍ ** على جَدَثٍ أمسى بيَثْرب ثَاوِيا

فِدًى لرسول الله أُمِّي وخالتي ** وعمى وآبائي ونفسي ومالِيا

صدَقْتَ وبلّغتَ الرسالة صادقا ** ومتّ صَلِيبَ العودِ أبْلَجَ صافِيا

فلو أن رب الناس أبقى نبينا ** سعِدنا، ولكن أمره كان ماضِيا

عليك من الله السلام تحيةً ** وأُدْخِلت جناتٍ من العَدْن راضِيا

أرى حسنا أيتَمته وتركتَه ** يُبَكِّي ويدعو جده اليوم ناعِيا

فإن قيل: فلِم أُخِر دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال لأهل بيت أخَّروا دفن ميتهم: «عجلوا دفن جيفتكم ولا تؤخروها».
فالجواب من ثلاثة أوجه: الأوّل ما ذكرناه من عدم اتفاقهم على موته.
الثاني لأنهم لا يعلمون حيث يدفنونه.
قال قوم في البَقِيع، وقال آخرون في المسجد، وقال قوم: يحبس حتى يحمل إلى أبيه إبراهيم.
حتى قال العالم الأكبر: سمعته يقول: «ما دفن نبيّ إلا حيث يموت» ذكره ابن ماجه والموطأ وغيرهما.
الثالث أنهم اشتغلوا بالخلاف الذي وقع بين المهاجرين والأنصار في البيعة، فنظروا فيها حتى استتب الأمر وانتظم الشمل واستوثقت الحال، واستقرّت الخلافة في نصابها فبايعوا أبا بكر، ثم بايعوه من الغد بيعة أُخرى عن ملأ منهم ورِضا؛ فكشف الله به الكُرْبة من أهل الردّة، وقام به الدّين، والحمد لله رب العالمين.
ثم رجعوا بعد ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنظروا في دفنه وغسّلوه وكفّنوه، والله أعلم. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الألوسي:

وظاهر الآية يؤيد مذهب أهل السنة القائلين أن المقتول ميت بأجله أي بوقته المقدر له وأنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت وأن لا يموت من غير قطع بامتداد العمر ولا بالموت بدل القتل إذ على تقدير عدم القتل لا قطع بوجود الأجل وعدمه فلا قطع بالموت ولا بالحياة، وخالف في ذلك المعتزلة فذهب الكعبي منهم إلى أن المقتول ليس بميت لأن القتل فعل العبد والموت فعل الله سبحانه أي مفعوله وأثر صفته، وأن للمقتول أجلين: أحدهما: القتل والآخر: الموت وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أجله الذي هو الموت، وذهب أبو الهذيل إلى أن المقتول لو لم يقتل لمات ألبتة في ذلك الوقت.
وذهب الجمهور منهم إلى أن القاتل قد قطع على المقتول أجله وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله تعالى موته فيه لولا القتل، وليس النزاع بين الأصحاب والجمهور لفظيًا كما رآه الأستاذ وكثير من المحققين حيث قالوا: أنه إذا كان الأجل زمان بطلان الحياة في علم الله تعالى لكان المقتول ميتًا بأجله بلا خلاف من المعتزلة في ذلك إذ هم لا ينكرون كون المقتول ميتًا بالأجل الذي علمه الله تعالى وهو الأجل بسبب القتل، وإن قيد بطلان الحياة بأن لا يترتب على فعل من العبد لم يكن كذلك بلا خلاف من الأصحاب فيه إذ هم يقولون بعدم كون المقتول ميتًا بالأجل غير المرتب على فعل العبد لأنا نقول حاصل النزاع أن المراد بأجل المقتول المضاف إليه زمان بطلان حياته بحيث لا محيص عنه ولا تقدم ولا تأخر على ما يشير إليه قوله تعالى: {أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] ويرجع الخلاف إلى أنه هل تحقق ذلك في حق المقتول أم المعلوم في حقه أنه إن قتل مات وإن لم يقتل يعش كذا في شرح المقاصد، ولعله جواب باختيار الشق الأول، وهو أن المراد زمان بطلان الحياة في علم الله تعالى لكنه لا مطلقًا بل على ما علمه تعالى وقدره بطريق القطع وحينئذٍ يصلح محلًا للخلاف لأنه لا يلزم من عدم تحقق ذلك في المقتول كما يقوله المعتزلة تخلف العلم عن المعلوم لجواز أن يعلم تقدم موته بالقتل مع تأخر الأجل الذي لا يمكن تخلفه عنه، وقد يقال: أنه يمكن أن يكون جوابًا باختيار شق ثالث وهو المقدر بطريق القطع إذ لا تعرض في تقرير الجواب للعلم والمقدر أخص من الأجل المعلوم مطلقًا والفرق بينه وبين كونه جوابًا باختيار الأول لكن لا مطلقًا اعتبار قيد العلم في الأجل الذي هو محل النزاع على تقدير اختيار الأول وعدم اعتباره فيه على اختيار الثالث وإن كان معلومًا في الواقع أيضا فافهم، ثم إن أبا الحسين ومن تابعه يدعون الضرورة في هذه المسألة وكذا الجمهور في رأي البعض، وعند البعض الآخر هي عندهم استدلالية.
واحتجوا على مذهبهم بالأحاديث الواردة في أن بعض الطاعات تزيد في العمر وبأنه لو كان المقتول ميتًا بأجله لم يستحق القاتل ذمًا ولا عقابًا ولم يتوجه عليه قصاص ولا غرم دية ولا قيمة في ذبح شاة الغير لأنه لم يقطع أجلًا ولم يحدث بفعله موتًا، وبأنه ربما يقتل في الملحمة والحرب ألوف تقضي العادة بامتناع اتفاق موتهم في ذلك الوقت بآجالهم، وتمسك أبو الهذيل بأنه لو لم يمت المقتول لكان القاتل قاطعًا لأجل قدره الله تعالى ومغيرًا لأمر علمه وهو محال، والكعبي بقوله تعالى: {أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144] حيث جعل القتل قسيمًا للموت بناءًا على أن المراد بالقتل المقتولية وأنها نفس بطلان الحياة وأن الموت خاص بما لا يكون على وجه القتل ومتى كان الموت غير القتل كان للمقتول أجلان: أحدهما: القتل، والآخر: الموت.
وأجيب عن متمسك الأولين: الأول: بأن تلك الأحاديث أخبار آحاد فلا تعارض الآيات القطعية كقوله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] أو بأن المراد من أن الطاعة تزيد في العمر أنها تزيد فيما هو المقصود الأهم منه وهو اكتساب الكمالات والخيرات والبركات التي بها تستكمل النفوس الإنسانية وتفوز بالسعادة الأبدية، أو بأن العمر غير الأجل لأنه لغة الوقت، وأجل الشيء يقال لجميع مدته ولآخرها كما يقال أجل الدين شهران أو آخر شهر كذا، ثم شاع استعماله في آخر مدة الحياة، ومن هنا يفسر بالوقت الذي علم الله تعالى بطلان حياة الحيوان عنده على ما قررناه.
والعمر لغة مدة الحياة كعمر زيد كذا ومدة البقاء كعمر الدنيا وكثيرًا ما يتجوز به عن مدة بقاء ذكر الناس الشخص للخير بعد موته، ومنه قولهم: ذكر الفتى عمره الثاني؛ ومن هنا يقال لمن مات وأعقب ذكرًا حسنًا وأثرًا جميلًا: ما مات، فلعله أراد صلى الله عليه وسلم أن تلك الطاعات تزيد في هذا العمر لما أنها تكون سببًا للذكر الجميل، وأكثر ما ورد ذلك في الصدقة وصلة الرحم وكونهما مما يترتب عليهما ثناء الناس مما لا شبهة فيه قيل: ولهذا لم يقل صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه يزيد في الأجل، أو بأن الله تعالى كان يعلم أن هذا المطيع لو لم يفعل هذه الطاعة لكان عمره أربعين مثلًا لكنه علم أنه يفعلها ويكون عمره سبعين سنة فنسبة هذه الزيادة إلى تلك الطاعة بناءًا على علم الله تعالى أنه لولاها لما كانت هذه الزيادة.
ومحصل هذا أنه سبحانه قدر عمره سبعين بحيث لا يتصور التقدم والتأخر عنه لعلمه بأن طاعته تصير سببًا لثلاثين فتصير مع أربعين من غير الطاعة سبعين، وليس محصل ذلك أنه تعالى قدره سبعين على تقدير وأربعين على تقدير حتى يلزم تعدد الأجل والأصحاب لا يقولون به.
والثاني: بأن استحقاق الذم والعقاب وتوجه القصاص أو غرم الدية مثلًا على القاتل ليس بما يثبت في المحل من الموت بل هو بما اكتسبه وارتكبه من الإقدام على الفعل المنهي عنه الذي يخلق الله تعالى به الموت كما في سائر الأسباب والمسببات لاسيما عند ظهور أمارات البقاء وعدم ما يظن معه حضور الأجل حتى لو علم موت شاة بإخبار صادق معصوم، أو ظهرت الإمارات المفيدة لليقين لم يضمن عند بعض الفقهاء، والثالث: بأن العادة منقوضة أيضا بحصول موت ألوف في وقت واحد من غير قتال ولا محاربة كما في أيام الوباء مثلًا على أن التمسك بمثل هذا الدليل في مثل هذا المطلب في غاية السقوط.
وأجيب عن متمسك أبي الهذيل بأن عدم القتل إنما يتصور على تقدير علم الله تعالى بأنه لا يقتل وحينئذٍ لا نسلم لزوم المحال وبأنه لا استحالة في قطع الأجل المقدر الثابت لولا القتل لأنه تقرير للمعلوم لا تغيير له، وعن متمسك الكعبي المخالف للمعتزلة والأشاعرة في إثبات الأجلين بأن القتل قائم بالقاتل وحال له لا للمقتول وإنما حاله الموت وانزهاق الروح الذي هو بإيجاد الله تعالى وإذنه ومشيئته وإرادة المقتولية المتولدة عن قتل القاتل بالقتل وهي حال المقتول إذ هي بطلان الحياة والتخصيص بما لا يكون على وجه القتل على ما يشعر به {أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144] خلاف مذهبه من إنكار القضاء والقدر في أفعال العباد إذ بطلان الحياة المتولد من قتل القاتل أجل قدره الله تعالى وعينه وحدده، ومعنى الآية كما أشرنا إليه أفئن مات حتف أنفه بلا سبب، أو مات بسبب القتل، فتدل على أن مجرد بطلان الحياة موت ومن هنا قيل: إن في المقتول معنيين قتلًا هو من فعل الفاعل وموتًا هو من الله تعالى وحده.
وذهبت الفلاسفة إلى مثل ما ذهب إليه الكعبي من تعدد الأجل فقالوا: إن للحيوان أجلًا طبيعيًا بتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين وآجالًا اخترامية تتعدد بتعدد أسباب لا تحصى من الأمراض والآفات، وبيانه أن الجواهر التي غلبت عليها الأجزاء الرطبة ركبت مع الحرارة الغريزية فصارت لها بمنزلة الدهن للفتيلة المشعلة وكلما انتقصت تلك الرطوبات تبعتها الحرارة الغريزية في ذلك حتى إذا انتهت في الانتقاص وتزايد الجفاف انطفأت الحرارة كانطفاء السراج عند نفاد دهنه فحصل الموت الطبيعي وهو مختلف بحسب اختلاف الأمزجة وهو في الإنسان في الأغلب تمام مائة وعشرين سنة.
وقد يعرض من الآفات مثل البرد المجمد والحرب المذوب وأنواع السموم وأنواع تفرق الاتصال وسوء المزاج ما يفسد البدن ويخرجه عن صلاحه لقبول الحياة إذ شرطها اعتدال المزاج فيهلك بسببه وهذا هو الأجل الاحترامي، ويرد ذلك أنه مبني على قواعدهم من تأثير الطبيعة والمزاج وهو باطل عندنا إذ لا تأثير إلا له سبحانه وتلك الأمور عندنا أسباب عادية لا عقلية كما زعموا.
وادعى بعض المحققين أن النزاع بيننا وبين الفلاسفة كالنزاع بيننا وبين المعتزلة على رأي الأستاذ لفظي إذ هم لا ينكرون القضاء والقدر فالوقت الذي علم الله تعالى بطلان الحياة فيه بأي سبب كان واحد عندهم أيضا، وما ذكروه من الأجل الطبيعي نحن لا ننكره أيضا لكنهم يجعلون اعتدال المزاج واستقامة الحرارة والرطوبة ونحو ذلك شروطًا حقيقة عقلية لبقاء الحياة ونحن نجعلها أسبابًا عادية وذلك بحث آخر وسيأتي تتمة الكلام على هذه المسألة إذ الأمور مرهونة لأوقاتها ولكل أجل كتاب. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئًا}:

قال الفخر:
{وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئًا} والغرض منه تأكيد الوعيد، لأن كل عاقل يعلم أن الله تعالى لا يضره كفر الكافرين، بل المراد أنه لا يضر إلا نفسه، وهذا كما إذا قال الرجل لولده عند العتاب: إن هذا الذي تأتي به من الأفعال لا يضر السماء والأرض، ويريد به أنه يعود ضرره عليه فكذا هاهنا. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَسَيَجْزِى الله الشاكرين}:

.قال الفخر:

المراد أنه لما وقعت الشبهة في قلوب بعضهم بسبب تلك الهزيمة ولم تقع الشبهة في قلوب العلماء الأقوياء من المؤمنين، فهم شكروا الله على ثباتهم على الإيمان وشدة تمسكهم به، فلا جرم مدحهم الله تعالى بقوله: {وَسَيَجْزِى الله الشاكرين}.
وروى محمد ابن جرير الطبري عن علي رضي الله عنه أنه قال: المراد بقوله: {وَسَيَجْزِى الله الشاكرين} أبو بكر وأصحابه، وروي عنه أنه قال أبو بكر من الشاكرين وهو من أحباء الله، والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال ابن عطية:

وعد الشاكرين وهم الذين صدقوا وصبروا ولم ينقلب منهم أحد على عقبيه بل مضى على دينه قدمًا حتى مات، فمنهم سعد بن الربيع وتقضي بذلك وصيته إلى الأنصار، ومنهم أنس بن النضر، ومنهم الأنصاري الذي ذكر الطبري عنه بسند أنه مر عليه رجل من المهاجرين، والأنصاريّ يتشحط في دمه، فقال: يا فلان أشعرت أن محمدًا قد قتل: فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فإنه قد بلغ، فقاتلوا عن دينكم.
قال الفقيه أبو محمد: فهؤلاء أصحاب النازلة يومئذ صدق فعلهم قولهم: ثم يدخل في الآية الشاكرون إلى يوم القيامة: قال ابن إسحاق معنى {وسيجزي الله الشاكرين} أي من أطاعه وعمل بأمره، وذكر الطبري بسند عن علي بن أبي طالب وذكر غيره: أنه قال في تفسير هذه الآية: الشاكرون: الثابتون على دينهم، أبو بكر وأصحابه وكان يقول: أبو بكر أمير الشاكرين، وهذه عبارة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما هي إلى صدع أبي بكر رضي الله عنه بهذه الآية في يوم موت النبي عليه السلام وثبوته في ذلك الموطن، وثبوته في أمر الردة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبض وشاع موته، هاج المنافقون وتكلموا، وهموا بالاجتماع والمكاشفة، أوقع الله تعالى في نفس عمر رضي الله عنه أن النبي لم يقبض فقام بخطبته المشهورة المخوفة للمنافقين برجوع النبي عليه السلام، ففت ذلك في أعضاد المنافقين وتفرقت كلمتهم ثم جاء أبو بكر بعد أن نظر إلى النبي عليه السلام فسمع كلام عمر فقال له: اسكت، فاستمر عمر في كلامه فتشهد أبو بكر فأصغى الناس إليه، فقال: أما بعد فإنه من كان يعبد الله تعالى، فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}، وتلا الآية كلها، فبكى الناس ولم يبق أحد إلا قرأ الآية كأن الناس ما سمعوها قبل ذلك اليوم، قالت عائشة رضي الله عنها في البخاري: فنفع الله بخطبة عمر، ثم بخطبة أبي بكر.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: فهذا من المواطن التي ظهر فيها شكر أبي بكر وشكر الناس بسببه. اهـ.